عن منشورات مقاربات، صدر للشاعر و الناقد عبد الرحيم أبوصفاء كتاب جديد: "السياق الحداثي في التراث النقدي ( النظرية الشعرية عند عبد القاهر الجرجاني ـ مُقارَبَة مُقارِنَة)"، ويمكن اعتبار الدراسة بحثا عن امتداد التّراث في الوعي الحداثي، وعن أصول الحداثة في التّراث، يتوخى من خلاله إنشاءَ علائقَ جديدةٍ تصل الماضي بالحاضر عبر جدلٍ كينونيٍّ مستمر، بعيدا عن محاولة تعويض البنى الجاهزة للمعرفي الماضوي ـ التي يسعى الفكر الحداثي إلى تجاوزها ـ بالبنى المتحركة للمعرفي التّراثي، وقد اعتبر الباحث أن التّراث فرضَ سُلطتَه في الامتداد والحضور، ليس لأنّه يمتلك ميزةَ الأسبقية والحضور المبكّر في الزمن، وإنّما لأنه يمتلك روحا حركية دائمة التجديد، بما فيها من قابليات للتأقلم مع التصورات اللاّحقة عليها، وإمكانياتٍ للتطور نحو ما يلائم بنيات وتأملات الإنسان الجديدة، وهذا التصور الذي يَتَبنَّى فكرة امتداد التّراثي في الحداثي، وأصالة الحداثي في التراثي، يجد أمامه تصورات أخرى تصل إلى حد تجاوز التّراث عند الحداثيين، ومقاطعة الحداثة عند أنصار القديم. و في هذا الإطار اختار البحث محاورةَ نموذج نقدي رائد من داخل التّراثي العربي مُمَثلا في متن عبد القاهر الجرجاني من خلال كتابيه (أسرار البلاغة) و(دلائل الإعجاز) للإجابة عن مجموعة من الإشكاليات تتلخص في مجموعة من التساؤلات من مثل : هل يمكن الجزم أنّ المقولات النّقدية والمنهج التحليلي والتنظيرات البلاغية التي صاغها عبد القاهر الجرجاني ضمن تصوّره النّقدي في أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز، تمتلكُ إمكانيةَ بناء وتأطير منهج ناجعٍ و فاعلٍ في مُقاربة النّص وتحليل الخطاب الأدبي، وأنّ المفاهيمَ والتحليلات التي اعتمدها في تحقيق ذلك، لها صداها الكبير في الدِّراسات النّقدية الحداثية، وهي بالتالي تتقاطع وتتماثل وتتناص مع مجموعة من نظيراتها في النّقد الحديث أو المعاصر، إضافة إلى اعتبارها موسومةً بالتميز والاختلاف عن ما سبقها ضمن التّراث النّقدي العربي؛ على مستوى البعد الاستشرافي النّقدي عامة، على اعتبار أنّ المشروع النّقدي الجرجاني كان سابقا لعصره بامتياز.